تختلف العادات والأعراف القبلية من مجتمع إلى آخر، ومن قبيلة إلى أخرى، في المجتمع اليمني، تمثل الأعراف القبلية إحدى ركائز بناء المجتمع، ولكن للأسف يسوء استخدامها، مما يمثل عائقاً أمام قانون الدولة كتشريع يتضمن مجموعة من القواعد والأسس التي تنظم سلوك أفراد المجتمع والدولة، ويحكم العلاقات بين الناس ويفرض الأمان في المجتمع من الممارسات التعسفية، ويضمن حقوق المواطنين.
فاليمن تعد من أكثر الدول العربية نفوذاً للقبيلة؛ فنحو 85% من السكان ينتمون مباشرة لإحدى القبائل البالغ عددها وفق إحصائيات غير رسمية 400 قبيلة، حيث تمثل القبيلة إحدى طبقات المجتمع وتمثل ركيزة مهمه فيه، لها أعراف وتقاليد تمتثل بها، ولكنها تعزز التفاوت الطبقي بين أوساط المجتمع الواحد، فترى كل شخص يعود الى أي قبيلة من القبائل يتفاخر بنسبة إليها، وهذه تمثل عنصرية مقيتة تعمل الأعراف القبلية على تعزيزها، بالإضافة الى التعصب القبلي الذي تتحالف فيه القبائل ضد قبيلة أخرى، والنكف القبلي عند نشوب خلاف بينهما، مما يولد حالة من القتال بين القبائل. والمستغرب أن القبائل المتعصبة لا تنظر إلى صحة أو بطلان القضية التي يتقاتلون من أجلها؛ مجرد تعصب قبلي فقط. والمرأة في القبيلة لا محل لها من الإعراب، حيث لا دور لها في أوساط القبيلة ولا يساوي العرف القبلي بينها وبين الرجل في الحقوق الاجتماعية، ولا تستطيع أن تعبر عما تريده، بالإضافة إلى أنها لا تستطيع المشاركة في الفعاليات أو أن تصل إلى هرم القبيلة، بل إنها محرومة من الميراث؛ فأبوها أو أخوها أو أي قريب يستطيع أخذ ميراثها ولا يحرك العرف القبلي ساكنا ولا يعاقب على ذلك.
يعزل العرف القبلي الحياة الاجتماعية والقانونية عن محيطها العالمي، من خلال (قوانين) قديمة وغير مرنة، في ظل عالم متغير لا يتوقف، يقف العرف القبلي عائقًا أمام تطبيق عدالة القانون، عندما يتدخل في أشياء من الواجب أن لا يتدخل فيها كالقتل والجنايات الأخرى الذي إن لم تقم بها الدولة وتطبقها أصبحت بلا هيبة ويمهد لضعفها.
يقف العرف عائقا أمام إجراءات حساسة من الواجب بل ومن الضروري أن الدولة هي من تقوم بها؛ فالدولة بدستورها وقوانينها هي الأم والحاضنة للجميع ويعيش الجميع تحت ظلها، بينما الأعراف القبلية منحازة لأطرافها، وهذه من الأخطاء الكبيرة في الأعراف القبلية؛ فحينما يقوم الجاني بجريمته سيحتمي بالقبيلة، والقبيلة ستحميه، بينما من المفترض أن تسلمه إلى الدولة لينال عقوبته؛ وبالتالي، تكرس العنف بين المجتمع وأصبح أي شخص يقوم بأي جريمة أو تخريب بالاحتماء بالقبيلة، فتساهل قوانين العرف القبلي مع المجرمين والأشخاص الخطيرين، سبب من أسباب تعاظم عمليات القتل الخارجة عن القانون، ويعزز من الثارات بين القبائل، فالنكف القبلي يجعل القبائل تتكاتف لتقاتل بعضها البعض، بدون حتى أن تعرف أحيانًا علامّ تقاتل!
أحيانا يكون الناس ملمين بالأعراف أكثر من إلمامهم بالقوانين والإجراءات التي تخص الدولة. وإن كان ذلك، فهذا لا يعني أن تحل القبيلة محل الدولة، وكما ذكرت هناك تعصب، بينما الآخرون الذين لا ينتمون لها لن يكون لهم أي نصيب ولن يكون هناك أي قبيلة أو جماعة لتحميهم. تحفظ الدولة الحقوق وتساوي بين المواطنين، وتجعل القانون هو الحاكم بينهم فمن خالف يكون مرده إلى القانون وما على الدولة إلا التنفيذ؛ فالمواطن يعيش بأمان وسكينه في ظل دولة قوية، تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، والدولة هي الأمان وهي الاستقرار، فلا مقارنة بين الدولة والقبيلة، وإن كان لابد من قبائل فلابد أن تكون مساعدًا للدولة وليست مقوضةً لها وساعيةً إلى إلغاء هيبتها بحجة العرف؛ فالقانون المتمثل بدولة يجب أن تكون له الكلمة العليا، بل أن تكون الدولة وقوانينها شيء مقدس لا يجب المساس به بأي سبب كان.
الدولة وحدها القادرة على تصفية مظاهر التمييز السائدة اجتماعيًا، والمحصنة دستوريًا وقانونيًا، وتقديم الضمانات لممارسة الحريات والحقوق، ويظل التساؤل ما هو دور العرف فيما يحصل من انتهاكات وترويع للمواطنين والسطو على الممتلكات وحالات الخطف والابتزاز مقابل مبالغ مادية لتحريرهم؟
فالأحكام العرفية ما زالت موضوعًا يواجه الكثير من الانتقادات لأطراف متعددة من مؤسسات رسمية وشبة رسمية ومنظمات حقوقية وناشطين، ووفقا لهذه الانتقادات تشكل بحد ذاتها قلقًا على سيادة الدولة ونظامها القانوني ومبادئ المواطنة وعدم التمييز. ونقطة البدء لحل النزاعات والخلافات الأهلية تتمثل في التطبيق الفوري لأحكام الدستور والقانون ذات الصلة بهذه النزاعات دونما تمييز أو انتقاء، فوتيرة اللجوء إلى الأحكام العرفية كآلية بديلة لاحتواء النزاعات، ساهمت في تعميق النزاعات وتحولت في بعضها إلى مصدر إضافي لانتهاكات متعددة لحزمة من الحقوق الدستورية للمواطنين، إضافة إلى تهميش وتعطيل لدور الدولة واستغلال فجوات في عمل الأجهزة بدل مساندتها وتدعيم حضورها.
وهذا لا يعني تجاهل تام لدور الأعراف القبلية العادلة – بما لا يتجاوز دور الدولة – علينا وضع هذا في الحسبان، والتأسيس لدولة سيادة القانون، نعيد للدولة مكانتها وهيبتها وعدالتها، وحتى تصير واقع موضوعي؛ لأن الواقع الموضوعي الآن يجعل من الرموز القبلية والتحكيم القبلي ذات وجود حقيقي وفاعل داخل المجتمع والدولة، يصعب عمل الدولة وأجهزتها وقضائها، في ظل مناخ تصاعدت فيه أعمال العنف المسلح مما يزيد من حالة التوتر والمواجهة بين دور العرف وقانون الدولة.