The Internet is just a Mirror- Jamal Hasan

من وجهة نظري يشكل الانترنت فضاء سهل لتواصل الافكار، لكن ذلك لا يفضي بالضرورة لتعزيز التعايش. لطالما كان التواصل بين البشر عبر التاريخ، يقود للتفاهم او الصراع. يمكننا القول ان الانترنت عزز التواصل بصورة غير مسبوقة بين البشر، لكنه مجرد مرآة تعكس المجتمع بأفكاره وقيمه ومشاعره.
كما اننا سنتساءل عن اي نوع من التعايش. ففي كثير من انماط التعايش تتنامى مشاعر التمايز داخل المجتمعات ولأسباب متعددة. والتواصل قد يتخذ صيغ متبادلة من الكراهية والضغائن، وفي البلدان التي تراجعت لديها درجات العنصرية، صار لديها قوانين تجرم الشحن العنصري، اضافة إلى ارتفاع درجة الوعي المناهض لأي خطاب يتضمن كراهية.
يمكن للإنترنت ان يكون وسيلة لتعميق الشقاق، خصوصاً حين يكون فضاء للجدال الطائفي او المناطقي. حيث نه مجرد سطح تطفو عليه النبرة السائدة داخل المجتمع، وكما حدث مؤخراً تحولت وسائل التواصل الاجتماعي ادوات شحن مستمرة، بما انها صارت صفحات بوح بالكراهية والعدوانية في كثير من الوقت. كما ان التحيزات تتشكل بأقصى درجات تطرفها.
وعلى سبيل المثل لم يكن تعاطي اليمنيون قبل الحرب بنفس الحدة التي اظهرت كل اشكال الكراهية. هكذا صارت مواقع التواصل الاجتماعي انعكاس لميول الجمهور العام بكل تناقضاته وتحيزاته وامراضه، وحتى بعض جوانبه الايجابية. بل ان شرائح واسعة من المجتمع صارت تتخندق كما لو انها تمارس حربها الخاصة. ولم يقتصر الامر على العوام، بل ان كثير من النخب سقطت في غوغاء يدعو للشقاق.
فالإنترنت، وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعية صارت اشبه بتوثيق يومي لآراء الناس. وليس بالضرورة ان يكون عامل لرفع الوعي، وتعميق الحوار البناء، حيث لا تعرض الافكار بطريقة منهجية. لأن ثقافة النت هي ثقافة السرعة، ولا تشكل مصادرها مراجع يمكن الاعتماد عليها. مع هذا يمكنه ان يكون فضاءً لحدوث تفاعل بناء بين الأفكار المختلفة، وفي الوقت نفسه لإشعال صدام يؤجج الخصومات.
احدثت مواقع التواصل الاجتماعية نقلة في التفاعل المباشر بين الناس، سنجد مجموعة من البشر يتفاعلون في نفس اللحظة مع بعضهم البعض عبر مسرح مضيء لشاشة الكترونية، بينما هم في الحقيقة يعيشون في أماكن متباعدة داخل مدينة ما، او في مدن مختلفة تفصلها آلاف الأميال. لم يعد الانترنت وسيلة تواصل عادية، بل عالم واسع لاحتكاك الأفكار والمشاعر والرغبات دون حدود او حواجز.
وبينما تشكل وسائل التواصل التقليدية مثل التلفاز والصحف، طريقة تواصل ثابتة بين نخب وجمهور، وهذا التواصل يقوم على معايير في الأساليب الخطابية سواء كانت مكتوبة او مرئية، اما النت فهو اكثر الوسائل انفلاتاً ولا يمكن تحديد معيارها. كما انها اكثر الوسائل ارتباطاً بالذائقة المباشرة للجمهور دون تدخل النخب، لتشكيل موجة الرأي السائد.
واتذكر تعليق صديق حول الفيس بوك باعتباره نقل فضاء الرأي من المستوى النخبوي، الذي تحتكره وسائل التواصل التقليدية إلى المجال العام. وصار بإمكان فرد عادي من ايجاد فضاء عام للتعبير عن نفسه. لقد اتسعت سلطة الهامش، وبالتالي ستتشكل انماط جماهيرية اكثر انفلاتاً وقادرة على اثبات نفسها بما تحدثه من ضجيج في عوالمنا الصغيرة والكبيرة. وفي هذا الحيز الطبوغرافي المتعدد العوالم، تطغى اصوات الجمهور وذائقته على ما يفترض ان يكون نخبوي. وفي ذلك قد يطغى السلبي على الإيجابي، لأن الجمهور ينجذب لأكثر الأصوات ارتفاعاً وضجيجاً، بينما الأفكار الأكثر عمقاً تحتفظ بدائرة تأثير محدودة.
لكن هناك جوانب ايجابية اتاحها النت وصفحات التواصل الاجتماعية تحديداً، حيث اصبح لكل شخص منبر رأي بصرف النظر عن ماهية افكاره او عن طبقته. مع هذا، هناك مساحة الغثاثة تزيد. وما فعلته صفحات التواصل الاجتماعي القت الشارع برمته، للمجال العام، بحيث يمكن متابعته. ومع انه ايضاً مجتمع غير حقيقي، بمعنى ان النت لا ينقل لنا العالم كما هو. فكما قلت هو مجرد مرآة تعكس كثير من ميول المجتمع وافكاره وقيمه، لكنه مسرح للتضخيم والمبالغة، مثل كل وسائط التواصل، إذ تبالغ في تصوير قضية بأكثر مما يمكن ان يكونه الواقع. ثم هناك ايضاً الاشاعات والتفاعلات المبنية على تزييف الوقائع، كل هذا يتيحه الانترنت، ويعطي مساحة للتلاعب والتحوير.
اتاح النت حيزاً واسعاً لنقل الأفكار العادية وحتى اكثرها سذاجة. فالشارع يشكل حيزاً محدوداً لتصادم الأفكار وتفاعلها، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الفكرية والعقائدية. اما النت فينقل فضاء الشارع المحدود إلى عوالم اكثر اتساعاً. فالآراء التي كانت تُقال في حيز الشارع المحدود، ولا يمكن والتفاعل اليومي مع المواقف السياسية العامة او المسائل المجتمعية تصبح متاحة في المجال العام، ويمكن لأي شخص متابعة تفاصيلها. ولهذا يصبح النت اشبه بناقل عدوى هائل للتفاعلات. فكما يمكنه ان يكون وسيلة لتحفيز الضغائن والكراهية يمكنه ايضاً ان يصبح منصة لتعزيز التعايش.
مؤخراً تعرض كاتب شاب لمحاولة اغتيال على يد متطرفين في عدن. كان التعاطي مع الحادثة الاجرامية مريعاً، وظهرت عشرات الأصوات التي تؤيد قتله لأنه ملحد من وجهة نظرهم. ولا يمكن اعتبار كل الاصوات المؤيدة لفعل القتل، لمعاقبة شخص على وجهة نظره، تنتمي للتنظيمات المتطرفة الارهابية. لكنها صورة تعكس نمط التفكير السائد، ودلالة على الحاضن الذي تعيش عليه تلك الجماعات، وإن بطريقة غير مباشرة.
كما ان تكنولوجيا النت استغلتها منظمة ارهابية كداعش لاستقطاب ارهابيين حول العالم. وكونه فضاء يصعب التحكم به، يمكن لتوظيفه في سجالات ذات بعد طائفي او مناطقي ان تترك اثرها. مع هذا، يبقى الانترنت ميزة اتاحت للعالم الافكار والقيم دون حدود؛ انها وسيلة حررت الحواجز وجعلت العالم متقارباً كما لم يكن من قبل.

0 replies

Leave a Reply

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *