Publication photos of beneficiaries of aid .. A crime against humanity – Asmahan Mohamed
لا شك أن هناك جانب كبير من الدور الإنساني الذي تقوم به الجمعيات الخيرية، حيث تقدم العديد من المساعدات المادية والعينية لمستحقيها، ولكننا لاحظنا في الفترة الأخيرة زيادة تصوير المحتاجين ونشر صورهم في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، متذرعين بضرورة التوثيق من أجل الحصول على داعمين، أو كما يقولون من أجل حث الناس على تقديم المساعدة ونشر قيم الخير. ونحن نعلم أن هناك طرقاً عدة تحث المجتمع على عمل الخير وتقديم المساعدة، فيمكن الاستعانة بكتابة القصص أو صياغة محتوى ورسم قصص تعبر أو تحكي معاناة المحتاجين، أو صنع أفلام تجسد ما يحتاجه المجتمع وما يمكن إيصاله للفئات الداعمة .
نرى أن المساعدات الإنسانية قد تحولت إلى نقطة إذلال للمحتاجين حيث تزيد محنتهم ومعاناتهم عوضاً عن أن تكون أداة تخفيف لما يتعرضون له من مشاق الحياة وصعوبتها، فمثلاً هناك العديد من النساء اللاتي تعرضن للاستغلال الجنسي مقابل الحصول على قوت يومهن، مع أن الجهات والوكالات الأمنية على معرفة بهذا الاستغلال إلا أنها تغض الطرف عن هذه الانتهاكات. فهناك مؤسسات تمنع العائلات من استلام المعونات إذا رفض رب الأسرة التصوير لما فيه من ابتزاز لكرامة المحتاجين وعدم احترام مشاعرهم، فمن المفترض أن يكون الهدف الرئيسي لتقديم المساعدات الإنسانية هو إنقاذ الأروح وتخفيف المعاناة والحفاظ على الكرامة الإنسانية وليس امتهانها وإذلالها.
حظيت قضية نشر الصور باهتمام كبير من الرأي العام حيث أطلق مجموعة من الشباب حملة #احترموا مشاعرهم” ، تعبيرًا عن رفضهم لإصرار بعض مؤسسات العمل الخيري على تصوير المستفيدين من خدماتها أثناء تقديمها، متهمين الجهات التي تقدم المساعدة أنها تفضح حاجة الناس المتعففين بالصور وتشعرهم بالمهانة أثناء التقاطها، خاصة في بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تظهر المتبرعين أثناء تقديمهم للمساعدات، وكأن هدفهم الظهور أمام وسائل الإعلام دون مراعاة مشاعر المحتاجين بما يخدش كرامتهم.
أخلاقياً:
إن نشر صور الفقراء ومنازلهم وتجسيد تعاسة معيشتهم وبكائهم جريمة أخلاقية، والضحية هي كرامة البشر التي تذبح وتهان على مرأى الجميع، فتوثيق المساعدات الإنسانية وتصوير وجوه المحتاجين ومنازلهم وملابسهم وطعامهم شبيه جدًا بالمجرم الذي يصور الضحية قبل وبعد الجريمة، إلا أن الضحية هنا هي كرامة الانسان.
من ناحية مجتمعية:
تقلل من التكاتف بين أفراد المجتمع حيث لن يعود هناك عمل إنساني بقدر ما يكون ذكر فضل فلان وفلان.
نفسيًا:
يفاقم الفقر من مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية ويمكن أن يكون العامل الأول المسبب لها، فهناك علاقة طردية بين الحاجة والأمراض العقلية، فانخفاض الدخل بالإضافة للحالة الاقتصادية السيئة وكذلك المشكلات الاجتماعية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمراض النفسية خاصة الاكتئاب، وللفقر تأثير نفسي سيىء جداً على الأطفال والنساء، فكما هو معروف أن للفقر ضغوطات حادة جداً فلا نزيد عناءهم بإشعارهم بالذل والامتهان.
قانونياً :
هناك قوانين في دول العالم المتقدم تمنع أخذ الصور وإن حصلوا على موافقة الطفل أو البالغ على حد سواء، حيث إنها تعتبر جريمة لا تسقط لأنها تعتبر تعديًا على خصوصيتهم عبر تصوير طوابير لتلقي المساعدات ونشر صورهم في وسائل الإعلام، حيث يدخل التصوير في هذه البلدان ضمن قانون الجرائم الجنائية المتنوعة, ويدخل نشر بعض الصور ضمن قانون الخصوصية الشخصية, ويعتبر تصوير بعض المواضيع عمومًا من ضمن مصالح الآداب العامة وحماية الأطفال.
وقوانين الخصوصية هي القوانين التي تتعامل مع تشريعات معلومات الأفراد الشخصية التي يمكن أن تجمعها وتخزنها فلا يوجد قانون في اليمن يمنع التشهير أو التصوير، وذلك يعبر عن خلل في القانون وعدم وجود بروتوكولات تحمي الخصوصية لذلك يجب سن القوانين التي تحافظ على كرامة الانسان ومنع التشهير بالفقراء حفاظًا على نفسياتهم ومشاعرهم التي يمكن أن تتأذى.
لذلك يجب أن تمنع العديد من المنظمات تصوير الأطفال وخصوصاً أطفال الأحداث أو تصويرهم ثم إخفاء صورهم وذلك من أجل الحفاظ على حياة طفل الحدث والحرص على إكمال الجانب الجنائي في قضيته بشكل قانوني بحت، لأننا إذا قمنا بتصوير الطفل وتم نشر صوره فإننا سنضر الطفل من جانب الضحية، لهذا يجب عدم تجنب ذلك ليعيش الطفل حياة سوية بعد خروجه من الدار ولا يحصل على وصمة مجتمعية من أقرانه، ولكي يستطيع مزاولة أي مهنة بعيدًا عن الألقاب الساخرة والمهينة.
فيمكننا أن نتخيل طفلاً يتم تصويره حافي القدمين يجر معونات غذائية، أو طفلًا داخل دار الأحداث ثم تتغير حياته بعد عشرين عامًا وتصبح هذه الصورة مصدر حرج كبير له. إن انتهاك الخصوصية والطفولة هنا صارخ، والمؤسف أن يكون نابعاً من جهات يفترض بها أن تحمي الطفولة وحقوق الإنسان.
من ضمن الدول التي تقوم بمنع نشر الصور والحفاظ على الخصوصية في دساتيرها والأمثلة النموذجية على ذلك دستور البرازيل الذي ينص على أن “الخصوصية، الحياة الخاصة، الشرف وصور الناس محرمة لا تنتهك حرمتها”. وينص دستور جنوب أفريقيا على أن “كل فرد لديه الحق في الخصوصية”، وينص دستور جمهورية كوريا على أنه “لا يجوز التعدي على خصوصية أي مواطن”. لكن في معظم البلدان التي لا يذكر دستورها صراحة حقوق الخصوصية فسرت قرارات المحاكم الدستور على أنه ينطوي على منح حقوق الخصوصية.
المحور الاجتماعي:
هناك كثير من الأشخاص المحتاجين يرفضون تلقي المساعدات الإنسانية بسبب الإذلال الذي يتعرضون له عند تلقي هذه المساعدات، وهناك شهادات تتحدث عن حالات تم فيها إيقاف المواطنين لساعات تحت الشمس في انتظار مديري المنظمة للمجيء والتقاط الصور معهم عند تسلمهم المساعدات، وهناك كثير من مديري المنظمات الإغاثية الذين استخدموا هذه الصور ونشروها في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل إشهار أنفسهم ومؤسساتهم التي يعملون فيها، وأصبحت المنظمات تتعامل بمبدأ المصلحة المتبادلة وليس من منطلق العطاء، بحيث تقوم باستغلالهم إعلامياً للترويج لعملها.
وأخيراً الإنسانية هي العطاء، فإن وهبك الله إنسانيتك كاملة فستعطي كل ما تملك لمن لا يملك شيئًا، كن عوناً لغيرك تلقى من يعينك.
Leave a Reply
Want to join the discussion?Feel free to contribute!