القات.. عائق للتنمية في اليمن.

أمل السيلاني

إن شئت تعرف آفة الآفات***فانظر إلى ادمان مضغ القات

 القات قتل للمواهب والقوى***ومضيّع الأموال والأوقات

 وإذا نظرت إلى وجوه هواته***أبصرت فيها صفرة الأموات (1)

      تَشْتَكِي أم مرزوق لجيرانها دومًا من وبال القات عليها، فمن أجل الحصول عليه وتوفير تكلفته، دفعها أبنها الوحيد -التي وضعت فيه كل آمالها وأحلامها-إلى بيع كل ما تملكه، حتى وصل به الحال أن أنذرها ببيع البساط من تحت قدميها. وهذه المأساة-وإن اختلفت أشكالها-تمثل حال الكثير من الأسر اليمنية ذات “الدخل المحدود”، فلا بد من القات بأي شكل، وبأية طريقة. حتى أصبح أشبه بسلطة الأمر الواقع.

والغريب أن هناك من يزعم أن لعادة مضغ القات فوائد عديدة، منها:

  • تحقيق الأرباح الاقتصادية، التي تحتكرها “شبكة موزعي القات” كفئة أكثر تقدمًا في البلاد.
  • مساعدة الطلبة على التركيز، مع أن الواقع لم يثبت إلا تحقق البلادة الفكرية، بل وتراجع المنظومة العلمية بصورة عامة.
  • تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال اللقاءات في مجالس القات، والذي يمكن استعاضته بالندوات الثقافية والاحتفالات الفنية. (2) أو بمجالس العلم، والحلقات الدينية، كما هو حاصل في معظم أجزاء حضرموت، التي تشهد تنمية تفوق معظم المدن اليمنية الأخرى.

    والتساؤلات التي تتبادر هنا: ما الذي تم اكتسابه من عادة مضغ القات؟ وما الذي أحرزته اليمن في ظل حصاره الجسيم لجميع منافذ التطور والاستقرار والأمن؟ ثم ألا يشكل القات عائقًا للتنمية بجميع مستوياتها الاقتصادية والبيئية والصحية والاجتماعية والفكرية؟

   يمثل استهلاك القات أحد الأسباب الرئيسة للفقر في اليمن، فحسب إحصائية لميزانية الأسرة للعام 2005م ينفق اليمنيين حوالي 10% من دخلهم على القات. (3) ولنا أن نتخيل حجم تطور النسبة حتى اليوم. إلى جانب الخسائر المالية للاقتصاد الوطني، والتي تصل إلى 70 مليون ريال يمني في اليوم الواحد، و25 مليار ريال في الشهر الواحد. (4) وهي مبالغ ضخمة بالنسبة لدولة نامية لم تستخدمها لأجل بناء بنية تحتية، ولا لإحداث أي مظهر من مظاهر التنمية. ولم تقف مساوئ القات عند هذا الحد فقط، بل تعددت أضراره، وذلك فيما يأتي:

  1. التدهور البيئي:

      أدت زيادة الطلب على القات إلى زراعته في مساحات شاسعة، (5) وإحلاله محل الكثير من المحاصيل الزراعية المهمة كالبن مثلاً، مستهلكًا كميات كبيرة من المياه الجوفية، (6) مما يؤدي بدوره إلى تقويض الطبقة الصخرية الخازنة للماء، (7) وإلى ارتفاع درجة الحرارة، وهذا ما كشفه تقرير جديد للبنك الدولي، الذي اتخذ مبادرة “اخفضوا الحرارة … في مواجهة الواقع المناخي الجديد” لتوعية المجتمع بأهمية اقتلاع شجرة القات.(8) كما أن العائد المرتفع للقات مقارنة بالمحاصيل المستدامة الأخرى، شجع مزارعيه على حفر كثير من الآبار وبطريقة عشوائية، وصلت إلى 7000 بئر، إلى جانب إقامة المضخات وعمل شبكات ري بالأنابيب الحديدية والبلاستيكية. (9)

  1. إعتلال الصحة البدنية والنفسية:

     يستخدم مزارعو القات العديد من المبيدات التي صنفتها منظمة الصحة العالمية بشديدة السمية (10) والتي تصيب حوالي 20 ألف يمني بمختلف أنواع السرطان. (11) إلى جانب أمراض بدنية أخرى، مثل: ارتفـاع ضغـط الـدم، وضعف القلب، وتسـمم الكبـد. (12) وامراض الجهاز العصبي، مثل الاكتئاب المزمن، والعدوانية وحدة المزاج والطباع. (13) ويعود ذلك إلى المادة المخدرة في القات، والتي تشابه الامفيتامين المعروف بــ  Crystal Speed، والكاثين (Cathine) والكاثينون Cathinone))، (14) وهذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية في عام 1973م. (15)

  1. أضرار اجتماعية:

    أشرنا إلى وجود عدة بدائل لتقوية الروابط الاجتماعية، ترجع بالفائدة لا بالضرر على المجتمع، وإضافة إليها يُزعم أن القات يصرف الشباب عما هو أسوأ، ولنا أن نرجع بالذاكرة إلى ما أشيع حول استبداله بالخمر في 1972م، عندما حاولت حكومة محسن العيني اقتلاعه. (16) رغم أنه بالإمكان توجيه الشباب إلى الاهتمام بالرياضة، التي هي الأخرى تضررت بسبب القات، حيث أدى إلى هامشيتها في اليمن. (17)

     ويتضح لنا من ذلك عدم منطقية الحجج التي تشرع وتروج لمضغ القات، والتي تبدو اموراً ثانوية، إذا ما تم قياسها بالمخاطر والأضرار التي يحدثها، إضافة إلى ما سبق؛ كالفقر الذي يؤدي إلى ارتكاب السرقة وجرائم أخرى وانتشار الفساد والرشوة لتوفير تكلفته، خصوصًا في ظل غياب الوازع الديني. (18) إلى جانب ضرر التفكك الاسري وانشغال الآباء بمجالس القات عن تربية وتوجيه أبنائهم.

  1. تدهور المنظومة التعليمية:

     يبلغ إنفاق معظم الأسر اليمنية على التعليم 4% من ميزانيتها، (19) وهي نسبة صغيرة، أمام ما يتم صرفه من أجل القات، الذي يعطى له الأولوية، وهو ما أدى إلى عزوف الكثير من الطلبة عن الذهاب إلى المدارس، إلى جانب أثره السلبي على التحصيل العلمي، وتدني مستوى التعليم. (20)

     وهكذا ندرك أن معاناة الكثير من اليمنيين اليوم، والمتمثلة في الفقر والمجاعة بسبب القات وتناوله، وليس بسبب الحرب فقط. وهو الأمر الذي يتغافل عن اخطاره الكثيرون. (21)  حيث لم يتم اتخاذ سياسـة وخطـة واضحة بشـأن مواجهة هذه المشكلة. (22) التي سينعكس الحد منها على أغلب عناصر التنمية المستدامة، أهمها:

  1. القضاء على الفقر، حيث ستتوفر فرص عمل جديدة، ووقت إضافي للعمل.
  2. القضاء على الجوع، حيث ستكون هناك منتجات زراعية كبيرة، بإنتاج محلي، وبسعر أقل.
  3. نمو الاقتصاد، بتوسع المجال التجاري، وتصدير البن واستعادة سمعته العالمية، وزيادة الدخل القومي.
  4. الاستهلاك والإنتاج المنضبط، حيث سيكون هناك توازن كبير بينهما، والذي سيوفره التنوع الزراعي.
  5. توفير المياه الجوفية، وتقليل الارتفاع الحراري.
  6. الصحة الجيدة والرفاه، إذ ستخف امراض السرطان الناجمة عن المبيدات المحرمة دوليًا، والأمراض التي يتسبب بها القات.
  7. التعليم الجيد، مما سيوفر، حين الإقلاع عن تناول القات أموالاً كثيرة، تنعكس على تعليم الأطفال والتعليم الجيد. (23)

 ونختم الحديث هنا بقصيدة للأديب جمال الدين القاضي علي بن عبد الله الأرياني، والتي يقول فيها:

تولعتم بالقات والقات قاتل***وفي حذف حرف اللام منه دلائل

وكم قد رأينا من رجال تولعوا***فقد ثكلتهم بعد ذاك الثواكل

إضاعة مال ثم فقر وفاقة***ويبس يضر الجسم والجسم ناحل

وما هو إلا الضر من غير شبهة***ويقطع بالإكثار منه التناسل

ومنه يزول العقل من غير مرية***ومنه السهاد الأعظم المتطاول. (24)

————————————————————————————

(1). اختلفت الآراء حول نسبة القصيدة، فالبعض ارجعها لعبد الله بن علي الشرفي، وهناك آخر نسبها لمحمد سالم البيحاني، ونحن نرجح نسبتها للأول، كونه الأقدم.

(2). الوريث، عبد الوهاب: القات نبات شيطان. مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2008، ص 27.

(3). وثيقة صادرة عن البنك الدولي، بعنوان: اليمن (من أجل تخفيض الطلب على القات)، 2007م، ص 7.

(4). الأزرق، فتحي: في ظل أوضاع مأساوية صعبة، القات في اليمن (الطريق إلى الموت يبدأ بمضغه). صحيفة الأيام، 2007م. https://www.alayyam.info/news/2UEK1S00-10FO0S.

(5). لا تقل النسبة عن 15% من الأراضي اليمنية.

 (6). القات في اليمن عشبة النشوة والخراب الاقتصادي. https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/04/130412_qat_yemen_debate/Friday.17/12/2020. 11:05 PM.

(7). وثيقة البنك الدولي، ص 7.

(8). https://www.equatorinitiative.org/2020/04/24/solution11488/ القات/Saturday. 17/12/2020. 10:45 PM.

(9). سريع، قاسم: القات يبتلع 20 مليون ساعة من اعمار اليمنيين يوميًا. صحيفة 26 سبتمبر، 2020م. http://www.26sep.net/index.php/local/2016-26-11/Monday. 21/12/21. 1:30  .AM

(10). المرجع نفسه.

(11). القات في اليمن عشبة النشوة والخراب الاقتصادي. https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/04/130412_qat_yemen_debate/ friday.17/12/2020. 11:05 PM.

(12). Michael Odenwald; Mustafa al’Absi: Khat use and related addiction, mental health and physical disorders: the need to address a growing risk. Eastern Mediterranean Health Journal, Vol. 23 No. 3, 2017. Pg. 236.

(13). ناصر، عبد الفتاح: القات واضراره الصحية والاجتماعية والدينية وأثاره الاقتصادية. المجلة العربية، مج 4. العدد (11)، يناير 2020م، ص 98.

(14). ريشة، السيد: السيكوبروفيل لمتعاطي القات وغير المتعاطي لدى طلاب جامعة تعز. المجلة المصرية للدراسات النفسية، مج 19. العدد 63، أبريل 2009م، ص 136.

(15). ناصر، عبد الفتاح: القات واضراره، ص 100-101. بتصرّف.

(16). البردوني، عبد الله: الثقافة والثورة في اليمن.  دار الحداثة، صنعاء 2007، ص 522.

(17). الكبسي، عبد الله: القات وممارسة الرياضة في النسق الاجتماعي اليمني في بداية القرن الحادي والعشرين. جامعة الجزائر، بوزريعة 2009/2010، ص 66.

(18). ناصر، عبد الفتاح: المرجع نفسه، ص 111-121. بتصرّف.

(19). وثيقة البنك الدولي، ص 7.

(20). المذحجي، منصور قاسم: تعاطي القات وأثره على التحصيل العلمي لدى الشباب الجامعي في الجمهورية اليمنية. مجلة البحوث والدراسات العربية، العدد 56. القاهرة 2012م.

(21). القات https://www.equatorinitiative.org/2020/04/24/solution11488/ Saturday. 17/12/2020.  10:45 PM.

(22). (24). Michael Odenwald and Mustafa al’Absi: Khat use and related addiction, Pg. 236

(23). اليمن: القات علة التنمية وعدو الإنسان وسبب فقره وعوزه

https://alyoum8.net/news/49785.

(24). مركز الدراسات والبحوث اليمني: القات في حياة اليمن واليمنانيين. مكتبة الجماهير، بيروت 1982م، ص182.