Intellectual Property restricts the Development of Societies – Abdulmajeed Al-Gabri
لقد أصبح حق الملكية الفكرية سوطاً تُجلد به ظهور المجتمعات النامية، وهمًّا يرافق كل أفراد الشعوب الفقيرة. فحسب إحصاء نشره البنك الدولي هناك ما يقارب 736 مليون نسمة يعيش كل فرد منهم على أقل من 1.5$ يومياً. وبحسب إحصاءات للأمم المتحدة لعام 2018 تقول فيها إن ما يقارب 1.4مليار نسمة في العالم يعيشون تحت خط الفقر. فكيف لمن لا يستطيع توفير ما يحتاجه من غذاء الحصول على النسخة الأصلية من فيلم أو رواية أوبرنامج إلكتروني، أو منتج أصلي، أو أي مادة تحظى بحق الملكية الفكرية. فالشخص في هذه المجتمعات يقع بين مفترق طريقين إما أن ينغلق على العالم وهذا مستحيل، أو يتجاوز حق الملكية الفكرية بالحصول على نسخة ليست أصلية، أو مقلدة بسعر زهيد يستطيع دفعه.
وتأتي بلادنا كمثال فعلي وحقيقي، فاقتصادها ضعيف، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية، وتعاني من مشاكل هيكلية أهمها الفساد والنزاعات المختلفة، وتبلغ قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي حوالي 33.76 مليار دولار وهو منخفض، وحسب بعض التقديرات تبلغ القوة الشرائية للفرد منها 2410 دولار في السنة، ونسبة البطالة 35%، ومن يعيش تحت خط الفقر (أقل من دولارين يوميا) 45% وذلك يعني أن قرابة نصف سكان البلاد لا يستطيعون بكل ما يكسبونه طوال اليوم من شراء وجبة غداء بسعر زهيد من أقرب مطعم، إذا لم يكن هذا المطعم الذي يبيع هذه المنتجات الرخيصة يشتري التطبيقات والبرامج المحاسبية الخاصة بالشراء والبيع، وقطع التذاكر، وحجز الطلبات من مهندسين ومصممي برامج يمنيين بأسعار زهيدة، كون هؤلاء المهندسين يعتمدون على برامج الويندوز والوورد والفوتوشوب المقرصنة.
ولنا أن نتخيل محطات سير المنتجات الغذائية ابتداء من المصنع مروراً بالوكيل، ومن ثم إلى السوبر ماركت قبل أن تصل إلى المواطن اليمني ذي الدخل المحدود، ثم نتخيل لو أن كل محطة من هذه المحطات تقوم بتنظيم عملية البيع والشراء إلكترونياً عبر برنامج اشترته بسعر مرتفع كون كل مهندس قد قام بإضافة القيمة المضافة على القيمة التي تعوضه عن المال الذي دفعه لشراء الويندوز والوورد والفوتوشوب ومكافح الفيروسات الذي يصل سعر النسخة الواحدة منه والتي لا تزيد مدتها عن عام إلى 40 دولار.
ومن الناحية القانونية كان أول قرار تم تشريعه في اليمن بشأن الحق الفكري هو القرار الجمهوري رقم (19) لسنة 1994 والذي ينص على الآتي: “يهدف قانون الحق الفكري إلى حماية حق المؤلف والمكتشف والمخترع لضمان حرية الخلق، وإنماء التقدم التكنيكي، وتنظيم انتفاع كل منهم بأعمال وحماية مصالح المجتمع في الإفادة من ثمرات الإبداع الأدبي والعلمي والفني”. بوضوح ينص هذا القرار على الهدف السامي من تنظيم حقوق الملكية الفكرية في اليمن ألا وهو حماية مصالح المجتمع في الإفادة من ثمرات الإبداع الأدبي والعلمي والفني، وفي حال عدم تحقيق هذا الهدف المرجو من تنظيم حقوق الملكية وتحول حقوق الملكية إلى فأس ينهش في جسد المجتمع اليمني الفقير والمعدم، ويقلل ويعدم الفرص أمام الشباب اليمني في الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة والمعلومات والإمكانيات الحديثة التي يوفرها عصرنا، فإننا لا نستطيع إتاحة المجال لحماية حقوق الملكية في اليمن، طالما وأنها لا تخدم مصالح المجتمع اليمني الفقير والمحتاج.
تحتوي وثيقة انضمام اليمن إلى اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية على إعلان ينص على أنه بموجب المادة 28 من الاتفاقية المذكورة ، فإن الجمهورية اليمنية لا تعتبر نفسها ملزمة بأحكام الفقرة (1) من المادة 28 من الاتفاقية المذكورة، لقد تجنبت اليمن هذه الفقرة من الاتفاق التي تتيح تحويل أي خلاف أو نزاع بين دولتين حول حقوق الملكية الصناعية إلى التحكيم الدولي وإلى محكمة العدل الدولية عن طريق تقديم الطلب وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة. وذلك يسمح أكثر لليمن بتجاوز الكثير من قوانين حقوق الملكية الظالمة، ويتيح للسوق اليمني المزيد من الفرص لدخول المنتجات المسروقة والمقلدة ما دامت الغالبية العظمى من المجتمع اليمني ترزح تحت جدار الفقر، وتعجز عن شراء المنتجات الأصلية التي تنتجها مصانع وشركات العالم الأول.
ومن ثم فإن المجتمع اليمني أكثر احتياجاً من غيره للمنتجات والإبداعات التثقيفية والفنية والتعليمية كونه يرزح منذ عشرات السنوات تحت مستوى كبير من الأمية، والبطالة والفقر والجهل، ويعيش قرابة نصف سكان اليمن تحت خط الفقر. فلا يستطيع الفرد صاحب الدخل المتوسط بكل ما جناه من مال طوال الأسبوع شراء رواية عالمية حديثة أو كتاب تعليمي، أو ملابس حديثة التصميم دون أن يكون هناك منتجات مقرصنة ومقلدة تباع بأسعار زهيدة، أو روايات مطبوعة محلياً، خصوصاً مع توقف وصول الروايات والكتب إلى اليمن بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
إن الكثير من مثقفي اليمن أمام خيارين: إما التوقف عن القراءة، وانتظار انتهاء الحرب والسماح بدخول واردات الكتب والمجلات الثقافية، أو مواصلة القراءة عبر شراء الكتب والروايات المطبوعة محلياً والمتجاوزة لحقوق النشر والملكية الفكري، حيث تقوم بعض المطابع في صنعاء بطباعة نسخة من الروايات العالمية أو الكتب الفلسفية والتعليمية بعد الحصول عليها مجاناً من مواقع القرصنة الإلكترونية في الإنترنت عبر صيغة PDF الإلكترونية، ثم تباع بعد طباعتها ورقياً في صنعاء بأسعار زهيدة لا يزيد سعر النسخة منها عن 2$ دولار أمريكي.
أيضاً يعاني كثير من المرضى اليمنيين خصوصاً غير القادرين على السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، أو المرضى اليمنيين أصحاب الدخل الضعيف والمنعدم، من ارتفاع تكلفة العلاجات الواردة إلى اليمن. في حين أن ارتفاع أسعار هذه العلاجات لا يكون بسبب التكاليف الباهظة في إنتاج العلاجات نفسها بل في استحواذ شركات الأدوية على العقاقير، واللقاحات باسم الملكية الفكرية والماركة المسجلة، وهو ما يزيد معاناة الشعب اليمني والذي يعيش غالبيته تحت خط الفقر والمجاعة. وبهذا نصل إلى فكرة أن كل ما يسمى بحق الملكية الفكرية ليس إلا “أداة لنهب المستضعفين” من دول العالم الثالث من قبل ما يسمى اليوم بدول العالم الأول ذات الاقتصاد المرتفع.
Leave a Reply
Want to join the discussion?Feel free to contribute!