التنمية لا تعرقلها شجرة

زهير العمري

تمهيد

نستهل الحديث في هذا المقال بالتعريف عن الاطروحة من أجل تسهيل الموضوع والوصل الى نتيجة الاطروحة الحتمية بأن القات فعلاً لا يتعارض مع التنمية، كما يسعدني جداً ان اكتب مدافعاً عن صحة هذه الاطروحة الشائكة والتي زاد الجدل واختلفت الآراء والافكار المتباينة حولها؛ حيت يرى البعض ان القات يشكل عائقاً امام التنمية في اليمن، في هذا المقال سنحاول تفنيد هذه الاطروحة، زعماً منا بأنه لا يمكن اعتبار القات من معوقات التنمية بالقدر الذي يمكن ان اعتبار عوامل اخرى – مثل غياب الامن والاستقرار وانتشار الأمية وضعف البنى التحتية والفساد …الخ)- معوقات رئيسية امام التنمية في اليمن…

ما هو القات؟

القات او الـ KHAT (الاسم العلمي: (Catha Edulis هو نبات منبه Stimulant  يزرع في مناطق من شبه الجزيرة العربية وشرق افريقيا وله مسميات اخرى في شرق افريقيا منها “الجاد” في الصومال و”تشات” في المناطق التي تتكلم الامهرية و”ميرا” في المناطق التي تتكلم السواحلية، ويعد مضغ القات في بعض البلدان تقليد شعبي وطقس اجتماعي يستخدم كمنبه ومكيف وأحياناً يستخدم في الاغراض الطبية، تحتوي ورقة القات على مادة الكاثينون Cathinone ومادة الكاثين  Cathine وهي المواد المسؤولة عن انتاج المنبهات.

تاريخ القات و مكان وجوده[1]

هي شجرة مجهولة الميلاد، وهي من النباتات التي يرجع الاهتمام بزراعتها إلى عهود قديمة ربما قبل الإسلام وربما قبل الميلاد.، و توجد هذه النبتة في أفغانستان وتركستان، وتزرع في أماكن عديدة من العالم كنبات زينة، كما توجد شجرة القات أيضاً في عشرين دولة أخرى وهي اليمن والكونغو واريتريا وكينيا وملاوي واوغندا وروديسيا الجنوبية وتنزانيا وموزمبيق واتحاد جنوب إفريقيا وزائير وفلسطين والسعودية، وتوجد أيضاً في مصر، ولكنها غير معروفة للمواطنين المصريين.

أما عن أول المدن اليمنية التي عرفت زراعة القات فهي عتمة والعدين وجبل صبر، أما صنعاء فقد عرفت القات في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي في منطقة الحيمة، ثم انتشر إلى بني مطر، وفي منتصف القرن نفسه بدأ ينتشر في همدان.

القات والتنمية و التنمية المستدامة في اليمن

القات كمحصول نقدي يرى البعض ان زراعته تشكل خطراً كبيرة على الاقتصاد والتنمية في اليمن مستدلين بالأرقام  والاحصائيات التي تشير الى ان زراعة القات تستحوذ على كميات كبيرة من المياه الجوفية ومساحات كبيرة من الاراضي الزراعية وهو الامر الذي قد يشكل خطراً على الاقتصاد وعائقاً امام التنمية والتنمية المستدامة Sustainable Development تحديداً في بعدها البيئي على الاقل، كما ان معظم الاسر اليمنية تخصص جزءاً كبيراً من ميزانيتها لشراء القات، فالتقارير تشير الى ان اليمنيين ينفقون مليارات الريالات في شراء القات سنوياً وهو ما من شأنه ان يشكل ضغطاً اقتصادياً على الاسرة، هذا فضلاً عن الاثار الصحية والاجتماعية  والنفسية لمضغ القات.

والحقيقة انه لا يمكن الحديث عن القات والتنمية في اليمن بعيداً عن مساهمته الاقتصادية، فوفقاً لبعض الاحصائيات فان زراعة شجرة القات توفر اكثر من 500 الف فرصة عمل، وتقتات منها الاف الاسر وتسد من خلال عائداته الزهيدة رمق العيش ، ناهيك عن مساهمته الكبيرة في الانتاج المحلي الاجمالي، ففي تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي فإن الارض المزروعة بشجرة القات تشكل فقط 10% من مساحات الاراضي المزروعة، لكنه في المقابل يشكل نحو ثلث الناتج المحلي الاجمالي الزراعي ويشغل نحو ثلث العمالة الزراعية الانتاجية، وبما ان القات يشكل هذه النسبة البسيطة من الاراضي الزراعية فنحن ندع المجال للرأي المعارض لهذه الاطروحة ويوضح لنا اين هي التنمية التي حققتها اليمن من خلال 90 %من الاراضي المزروعة محاصيل غير القات!

وفيما يخص ادعاء ان القات يهدد الموارد المائية ويستنزف المياه وغير ذلك من الحجج الضعيفة نورد بأنه في السنوات الاخيرة  تحسنت طرق زراعة القات حيث استفاد مزارعو القات من منظومات الطاقة البديلة المتجددة الصديقة للبيئة ومنظومات الري الحديثة، واصبح الاعتماد على الطاقة غير المتجددة اقل، كما افاد ذلك في ترشيد استخدام المياه، وأصبحت الأصناف الأفضل متوفرة من خلال الاصطفاء الطبيعي لها. هذا فضلاً عن دخول اليمن مدار اثيوبيا و أوغندا المطري حسب مركز الارصاد البريطاني والذي ستستمر الامطار حتى منتصف2024.

وبناءً على ذلك  يمكن القول ان القات كمحصول نقدي لا يمكن ان يكون عائقاً امام التنمية بالقدر الذي قد تشكله طرق زراعته غير المخططة والتقليدية، حاله كحال بقية المحاصيل الزراعية الاخرى، والواقع ان معوقات التنمية في اليمن – كما تشير اليها العديد من التقارير الدولية كتقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الانمائي التابع للأمم المتحدة وتقرير التنافسية الاقتصادية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي – كثيرة ومتعددة فغياب الامن وانعدام الاستقرار والامية وضعف البنى التحتية وهشاشة النظم الادارية والفساد والمحسوبية و البطالة كلها تشكل عوائق من الدرجة الاولى للتنمية والتنمية المستدامة في اليمن.

الخاتمة

تعتبر  اثيوبيا من اكثر الدول التي يزرع فيها القات ويستهلك ولكنه لا يقف عائق امام التنمية خلافاً لليمن الذي يعاني من عدة عوامل ذكرناها سابقاً كانت ولا تزال عائقاً امام التنمية حيث يمكن القول كخلاصة لما تقدم انه وبالرغم من الاثار السلبية التي قد يشكلها القات على الاقتصاد اليمني، الا انه لا يمكن اعتباره عائقاً امام التنمية او ان التنمية لن تتحقق الا بدونه، والقول بذلك يندرج  في الحقيقة ضمن  التعابير المُستهلكة، القصد منها ربما شد الانتباه الى الاثار السلبية في بعدها الصحي والنفسي وربما الحضاري.

كما قد يكون ذلك للتغطية على فشل مؤسسي اداري في  تنمية القطاع الزراعي على الاقل والناتج عن غياب الجهد الحكومي في تطوير ودعم القطاع الزراعي خاصة وجميع القطاعات الانتاجية عموماً.

————————————————————————————–

[1]فهمي السعيدي، شجرة القات تاريخها وأضرارها و مكان تواجدها نشر بتاريخ 16 فبراير 2009، شوهد بتاريخ 21ديسمبر 2020،الساعة4:00مساء على الرابط الالكتروني التالي https://webcache.googleusercontent.com: .