Why are we against immigration ??

 الهجرة Immigration ظاهرة اجتماعية عرفها الإنسان الأول، فمنذ الأزمنة الأولى والبشرية في حالة تحرك وتنقل دائم، ويرجع ذلك إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وأخرى أمنية. ولما كانت للهجرة فوائد كثيرة من أهمها السعي للرزق، والتطلع إلى حياة أفضل ومستوى معيشي مرغوب، أصبحت الهجرة هدفاً لكل من يرغب في تحسين حياته وتحقيق تطلعاته التي لم يستطع تحقيقها في موطنه الأصلي، فسعى للهجرة إلى بلد آخر يمكّنه من تحقيق ذلك.

لقد كان ذلك كله يتم دون اعتراضات سياسية أو اجتماعية كما هو الحال اليوم، ويرجع ذلك ربما إلى وفرة الموارد الطبيعية وقلة عدد السكان، أما اليوم فقد باتت الهجرة تحظى بالمزيد من الاهتمام والبحث العلمي والأكاديمي على مستوى المنظمات المتخصصة، وهذا نتاج أو حصيلة  اتساع ظاهرة الهجرة في بداية القرن العشرين بشكل يؤثر على التنمية في البلد المصدر أو المستقبِل سلباً أو إيجابا، ويرجع هذا الاتساع في ظاهرة الهجرة إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية مركبة، كما أنها ليست نتاج عوامل محلية وحسب، بل لها بُعدها العالمي، حيث تلعب العولمة دوراً مباشراً في هذه الظاهرة.

بدأت ظاهرة الهجرة Migration تتسع بشكل ملحوظ ومؤثر على السياسات الدولية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في منتصف القرن الماضي، لكن نتيجة الاضطرابات التي تشهدها العديد من دول العالم بلغت في القرن الحالي أعظم موجاتها، زاد عدد المهاجرين بشكل ملحوظ، ففي عام ٢٠١٧ بلغت أعداد المهاجرين ٢٥٨ مليون شخص مقارنة بنحو ١٧٣ مليون شخص في عام ٢٠٠٠، ويعتقد أن أعداد المهاجرين أعلى بقليل من تلك المسجلة على مدى العقود الماضية أي ما يزيد عن ٣.٤٪ في عام ٢٠١٧ مقارنة  بـ  ٢.٨٪ في عام ٢٠٠٠ و ٢.٣ في عام ١٩٨٠.

 

ومن الملاحظ أن قضايا الهجرة أصبحت من أكثر القضايا الدولية حضوراً خلال العقد الأخير خصوصاً مع ارتفاع موجات الهجرة غير الشرعية، والتي تشكل إلى جانب كونها غير شرعية خطراً يهدد الأمن القومي The national security للعديد من دول العالم، إلى جانب ما تمثله الهجرة غير المنظمة Irregular Migration من آثار سلبية على الدول المستقبلة، فإنها تمثل أيضاً خسارة كبيرة على كل المستويات للدول المصدرة، إذ تشير العديد من الدراسات والإحصائيات إلى أن الميل العام للهجرة يشير إلى تزايد هجرة المتعلمين من الشباب وذوي الكفاءات على حساب العمالة غير الماهرة.

في السطور التالية سنحاول أن نستعرض الأسباب التي جعلت من الهجرة المشكلة الدولية الأكثر حضوراً، وكيف أن لها آثاراً سلبية وأضراراً كبيرة على الدول المصدرة والمستقبلة على حدٍ سواء، وفي هذا السياق وفي إطار الحديث عن الآثار السلبية للهجرة، سنحاول الإجابة عن السؤال التالي: لماذا نقف في موقف الضد من الهجرة وهجرة الشباب على وجه التحديد؟ ونختم بوضع بعض التوصيات التي من شأنها معالجة المشكلة.

 

كانت دول الاتحاد الأوروبي حتى عهد قريب الرائدة في إعطاء المهاجرين حقوقاً واسعة على أصعدة العمل والإقامة، إلا أن الأحداث التي شهدها العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وما تبعها من أعمال إرهابية طالت العديد من العواصم الأوربية، دفعت حكومات هذه الدول إلى  تشديد قوانين الهجرة وإلغاء كثير من المزايا الخاصة بالمهاجرين، وقد مثلت حادثة الحادي عشر من سبتمبر نقطة تحول في السياسات الدولية وأصبح للهجرة الدور الأكثر حضوراً في سياسات كثير من الدول لما لها من مخاطر على الأمن القومي، الأمر الذي جعل العديد من دول العالم تضع قوانين أكثر تعقيداً، مما نتج عنه الهجرة غير الشرعية، وأصبحت أعداد المهاجرين في تزايد مضطرد  نحو الدول المتقدمة والأكثر استقرار.

 تشير العديد من الدراسات والإحصائيات إلى أن ما نسبته 45 ٪ من الطلاب العرب لا يعودون إلى بلدانهم، ووفقاً لبعض الدراسات فقد بلغ إجمالي الأطباء العرب من إجمالي الأطباء العاملين في بريطانيا ٤٣٪، وفي اليمن لا يبتعث طالب يمني إلا ويفضل المكوث والبقاء في الخارج بشكل دائم، إلا في حالات محدودة، والأمر ذاته بالنسبة لطالبي اللجوء، ففي عام ٢٠١٧ بلغ إجمالي عدد اللاجئين اليمنين ستة آلاف لاجئ.

 

وحيث أن قوانين الهجرة شديدة التعقيد وتكاد تكون مغلقة، إلا أن هناك مجال مفتوح للهجرة ولكن بانتقائية شديدة، حيث تركز الدول المستقبلة عادة على استخدام أو استقدام اليد العاملة الماهرة والتخصصات الدقيقة، حيث شرعت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال في استقبال المتميزين من الباحثين وذوي الخبرات العالية في جميع المجالات المختلفة، وينتج عن هذه الظاهرة بطبيعة الحال أن المتميزين وذوي الكفاءات Highly qualified تفقدهم بلدانهم إلى الأبد، وهذا ما حصل مع الكثيرين من المبتعثين اليمنيين الذين لم يعودوا إطلاقاً، وكثير من رواد الأعمال وأصحاب المشاريع والمستثمرين فضلوا الهجرة لما تقدم تلك البلدان من ميزات تجعل المواطن  اليمني يفقد روح الولاء الوطني، ولا يفكر إلا بنفسه وماله.

ألا تمثل هذه الهجرة الانتقائية  نهباً لخيرات وقدرات البلد لصالح البلدان الغنية؟! وما الذي سيحل بالبلد الذي تم إفراغه من خيرة شبابه بعد أن أُنفقت عليهم الأموال في التعليم والتكوين؟ ألا يكون ذلك عائقا أمام عجلة التنمية وتخلفاً في شتى مجالات الحياة؟! قد يقول أحدهم إن الهجرة تعود بالخير على البلاد المصدرة من خلال التحويلات المالية التي يرسلونها، لكن هذا مجانب للصواب إذ تشير العديد من الدراسات المتعمقة في هذا المجال إلى أن هذه الأموال لا يمكن أن تعوض هذه البلدان عن خسارة عقولها المهاجرة ورأس المال البشري الذي تفقده، ولا يعد ذلك مؤشراً يعتمد عليه.

غير أن كل ما ذكر أعلاه لا يعد شيئاً مقارنة بما يحدث نتيجة الهجرة غير المشروعة التي اتسعت وبشكل ملحوظ في العقد الأخير كنتيجة للاضطرابات السياسية والاقتصادية والحروب التي تشهدها العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

مشكلة الهجرة غير الشرعية Illegal Migration  وما يترتب عليها من تداعيات أمنية واقتصادية وأخرى اجتماعية جعلها في أعلى سلم المخاطر التي تهدد الأمن القومي للعديد من دول العالم لا سيما المستقبلة منها.

 

 

\اقتصادياً: تشكل الهجرات غير الشرعية عبئاً اقتصادياً كبيراً على البلدان المستقبلة، وذلك من خلال انخراط الكثير من المهاجرين غير الشرعيين في أشغال ووظائف مختلفة وبأجور منخفضة، الأمر الذي يجعلهم الأكثر طلباً في سوق العمل والتوظيف، وذلك على حساب العمالة الوطنية، بالإضافة إلى أن وجود أعداد هائلة من المهاجرين غير الشرعيين يشكل ضغطاً كبيراً على عدة قطاعات اقتصادية وعلى رأسها قطاع الخدمات.

أمنياً:  تشكل خطراً أمنياً داهماً، يتمثل في المخاوف الأمنية من استخدام المهاجرين غير الشرعيين في أعمال تهدد الأمن القومي، كاستخدامهم في أعمال إجرامية، أو تسلل بعض الجماعات الإرهابية عن طريق الهجرة غير الشرعية، أو تشتيت جهود قوى الأمن في مواجهة عمليات التهريب والتجارة غير الشرعية عبر الحدود.

اجتماعياً:  أدى التزايد الكبير في أعداد المهاجرين -والمهاجرين غير الشرعيين على وجه التحديد- إلى ظهور بعض المخاوف المجتمعية تجاههم، الأمر الذي جعل المجتمع منقسماً على نفسه بين مرحب ومعترض، ففي أوروبا أدت هذه الموجات إلى صعود تيارات اليمين المتطرف التي استخدمت المهاجرين والمهاجرين غير الشرعيين كورقة ضغط على حكومات بلدانها من جهة وكسب مزيد من التأييد الشعبي من جهة أخرى.

ومن زاوية أخرى تُعرّض عمليات الهجرة غير الشرعية حياة الكثير من المهاجرين غير الشرعيين للعديد من الأخطار، كالموت غرقاً في عرض البحر، أو التعرض للاعتداءات المعنوية والجسدية من قبل عصابات التهريب، أو قد يتم استغلالهم في أعمال غير شرعية من قبل عصابات المافيا والسلاح.

 

وما يزيد من مخاوف الهجرات غير الشرعية هو إمكانية الزج بالمهاجرين غير الشرعيين في أعمال عدائية مسلحة، كما هو الحال في اليمن وليبيا، أو يتم استخدامهم كأداة للكسب غير المشروع، إما بتهريبهم من قبل شبكات تهريب مقابل مبالغ باهظة من المال، أو عن طريق تخصيص مخيمات لجوء عن طريقها يتم نهب وسرقة المساعدات الإغاثية المخصصة لهم.

هناك الكثير من المهاجرين  في الأبيض المتوسط لقوا حتفهم، حيث سميت القوارب التي تقلهم بقوارب الموت، وقد يضطر المهاجرون إلى اللجوء إلى عصابات متخصصة في تسفير المهاجرين بطرق غير شرعية، وغالباً ما يخضع هؤلاء المهاجرون وبالقوة للغش والخداع لأغراض الاستغلال في الرق وحياة السخرة، ويقع العديد من النساء والأطفال الساعين إلى الهروب من الفقر والحاجة ضحايا عصابات الاتّجار بالبشر، حيث يتم اجبارهم على ممارسة الرذيلة وحياة السخرة.

وتتخذ هذه الجريمة غالباً صورة وعود وإغراءات بوظائف مجزية، وعند وصولهم يتم إجبارهم على ممارسة الدعارة، أو أي أعمال إجرامية، لتسديد ديونهم التي تتفاقم نتيجة دفع إيجار الغرفة والمبيت وفوائد الديون، فضلاً عن حبسهم ومراقبتهم المستمرة للتأكد من التزامهم بالتعليمات.

 

    هناك الكثير من الجهود الدولية المبذولة من دول العالم ومنظمة العمل الدولية واللجنة العالمية للهجرة لتنظيم الهجرة والحد من الهجرة غير الشرعية، وفي هذا السياق أقيمت الكثير من المؤتمرات والندوات والمبادرات مثل مبادرة برن، وكثير من السياسات والبرامج للحد من الهجرة مثل نظام معلومات شنجن وسياسة الإعادة، إلا أن تلك الجهود وإن حدّت نوعاً ما من الهجرة فإن أعداد المهاجرين في ازدياد.

 

    وفي هذا السياق وفي إطار الحديث عن الكيفية الممكنة لمعالجة هذه الظاهرة، أو على الأقل التخفيف من آثارها السلبية، وتعظيم عوائدها الإيجابية، نوصي بالآتي:

 

على المستوى الوطني:

  • العمل على انتفاء مسببات الهجرة، وعلى رأسها وقف الحرب ونزيف الدم، والعمل على التوصل إلى حل سياسي من شأنه تحقيق السلام والاستقرار في البلد.
  • تقييم دوافع الهجرة، والعمل على وضع استراتيجيات معالجة من شأنها تعظيم العوائد الإيجابية للهجرة والتخفيف من سلبياتها.
  • دعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، لخلق العديد من فرص العمل، وامتصاص البطالة والقضاء على الفقر، التي تعد من أهم مسببات الهجرة.
  • تقديم الدعم الكامل لذوي الكفاءات والخبرات من علماء وأكاديميين، ورعاية المبدعين من الشباب، والاهتمام بالموهوبين، ووضع خطط وبرامج من شأنها تفجير طاقات الشباب وذوي الكفاءات، والاستفادة منها في بناء بلدهم، بالإضافة إلى الاهتمام بنوعية التعليم وتطويره.
  • إشراك الشباب في الحياة الاقتصادية والسياسية، وفتح آفاق المشاركة في كل مجالات الحياة، وتحسين ظروف الحياة عموماً، ورعاية الحريات العامة وحقوق الانسان.

 

على المستوى الإقليمي والدولي:

  • بما أن ظاهرة الهجرة والهجرة غير الشرعية أصبحت محل اهتمام إقليمي ودولي واسع، فإن إطار البحث عن الحلول لمعالجة هذه المشكلة يتسع ليشمل كل الجوانب المؤثرة في الظاهرة، وعلى كافة الأصعدة الدولية والإقليمية والوطنية، وبالتالي يقع إيجاد الحلول لهذه المشكلة والعمل على انتفاء مسبباتها على عاتق الجميع.
  • تعزيز التعاون بين المنظمات والمؤسسات الدولية ذات الصلة، ودول الإرسال والاستقبال والمعبر لأجل التخفيف من مخاطر الهجرة، وتفادي الهجرة غير الشرعية.

 

0 replies

Leave a Reply

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *