تطور المجتمعات تبدا من الفئات المهمشة
محمد المازني
البداية
نبدأ حديثنا في هذا المقال بالتعريف عن الأطروحة من اجل تسهيل القضية والوصول إلى نتيجة الأطروحة الحتمية؛ ليس من أسباب عزلة المهمشين في اليمن هو رغبتهم في ذلك، كما يشرفني أن أكتب مدافعاً عن صحة هذه الأطروحة الشائكة والتي زاد الجدل واختلفت الآراء والأفكار المتباينة حولها؛ حيث يرى البعض ان المهمشين هم من تسببوا في انعزالهم عن المجتمع بأنفسهم، وفي هذا المقال سنحاول تفنيد هذه الأطروحة، زعماً منا بانه لا يمكن اعتبار المهمشين هم السبب وإنما هناك عوامل أخرى – مثل انتشار الأمية وضعف البنى التحتية والفساد وأيضا هناك عادات وتقاليد مغلوطة …الخ)- معوقات رئيسية أمام التنمية في اليمن.
من هم المهمشون؟
المهمشون ويعرفون أيضا بإسم “اليمنيون الأفارقة” أو من لا أصل لهم أو “الأَفْرُويَمَنِيون” وهم مواطنون يمنيون يتميزون عن أغلبية سكان البلاد بملامحهم الأفريقية وبشرتهم المميزة ويعتبرون ادنى الطبقات الاجتماعية في البلاد أغلبهم من أصول أثيوبية، ودول القرن الأفريقي القريب من غرب اليمن وجنوبه.
تاريخ وجود المهمشين في اليمن:
حسب المعلومات الصادرة عن “المركز الوطني للمعلومات” في الجمهورية اليمنية، أن أصول الفئات المهمشة تعود إلى الدولة النجاحية التي حكمت زبيد والساحل التهامي عام 403 هجرية، فبدأ التهميش والتمييز الاجتماعي ضد هذه الفئة بعد سقوط الدولة النجاحية في عام 553 هجرية بسبب حكمهم الاضطهادي على يد علي المهدي الحميري، فقاموا بطردهم وإجبارهم على جعل منازلهم في أطراف المدن، فقد خطب علي المهدي في الناس وقال “فوحق الله العظيم على كل موحد لأخدمنكم بنات الحبشة وإخوانهم، ولأخولنكم أموالهم وأولادهم”.
وقيل بأنه أول من أطلق عليهم مصطلح “الأخدام” الذي يستخدم حالياً في المجتمع اليمني، حسب ما ذكر في الرسالة التي قدمها الباحث مفيد محمود هزاع عام (2008-2009).
أي أن هذه الفئة تعرضت للتهميش التاريخي، الذي كان نتاجاً للصراع السياسي، فرغم حقيقة أنهم موجودون في اليمن منذ آلاف السنين، إلا أنهم لم يرثوا إلا الازدراء والعنصرية جيلاً بعد جيل من المجتمع الذي رفض الاعتراف بهم.
وللأسف ما تزال هناك بعض المعتقدات بأن الفئات المهمشة في اليمن معزولة لرغبتها بذلك، متناسين أن هذه الفئة المهمشة تمثل ما نسبته 12% من إجمالي سكان اليمن، وفق آخر تعداد سكاني في العام 2004 وأكد هذه الإحصائية “رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن” نعمان الحذيفي.
وهناك أسباب لعزل هذه الفئات المهمشة وهي كثيرة ولكن أهمها:
- ذكرت منظمة كل الشباب للمهمشين أن نسبة الأمية بين إناث الفئة المهمشة وصلت إلى حوالي 99% وبين الذكور الى 85%، وفي مسح أجرته منظمة “سول للتنمية” عام 2017، أن حوالي 95% من بين 35 ألف فرد مهمش أُجريت عليهم الدراسة قد تسربوا من التعليم الأساسي، وأن أبرز الأسباب التي أدت إلى ذلك هو ارتفاع تكلفة التعليم مع ارتفاع نسبة الفقر بين هذه الفئة، ومعدل الفرد بينهم الذي ينخفض كثيراً إلى أقل من 1.9 دولار في اليوم، وأن جميع الأسر تقع تحت خط الفقر حسب تقرير “برنامج الأمم المتحدة” لتطوير المستوطنات البشرية في ديسمبر 2018، فتدفعهم الحاجة وضيق اليد إلى إلحاق أطفالهم مبكراً بسوق العمل وإخراجهم من المدارس.
- السبب الثاني هو التنمر الذي يتعرض له أطفال المهمشين في المدارس، فقد ذكر تقرير “الجمعية العامة للأمم المتحدة” في فبراير 2014 أن الأطفال لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس العامة، بسبب العنف الذي يتعرضون له بشكل يومي والتعرض لشتى أنواع الاضطهاد، حتى أنهم يتلقون تهديدات بالقتل. وذكرت “صحيفة العربي اليوم” أن مدرسة حكومية، فصلت التلاميذ الذين ينتمون لفئة المهمشين في فصول دراسية معزولة عن البقية، وأن هناك عدداً من المدارس — ذُكرت بالاسم — قد رفضت استقبال الطلاب من ذوي الفئة المهمشة بذريعة “عدم وجود صفوف كافية لهم.”
- خلق التمييز العنصري الطبقي وعزل هذه الفئة إلى اختراع قصص وحكايات عنهم لا أساس لها، كتلك الأسطورة التي يتحدث عنها الأغلب بأن المهمشين يأكلون لحوم موتاهم.
- وفي مجتمعنا اليمني الذي تقوم بنيته الاجتماعية على النسب، والأصول، والمذهب، والعرق، واللون، وفق هرم متسلسل، أدت الأصول الغامضة للمهمشين وكونهم من خارج هيكلة الأنظمة الاجتماعية في اليمن إلى تهميشهم وعزلهم اجتماعيا ووضعهم في أدنى درجات التسلسل الطبقي؛ فلا يسمح المجتمع للرجال المهمشين بحمل الخناجر الرمزية (الجنبية) وجعلها حصراً على الأفراد ذو النسب فقط حسب تقرير “الجمعية العامة للأمم المتحدة” عام 2014.
- رفض وحرمان أبناء هذه الفئة من حق الارتباط والزواج والمناداة بأسمائهم؛ فلا يتم مناداتهم إلا بمصطلح “خادم” واعتبار الزواج منهم من قبيل العار.
لم يقف التمييز الاجتماعي عند هذه النقاط وحسب بل وصل إلى منعهم من حق امتلاك الأراضي، وشرائها أو إيجارها حتى وإن امتلكوا المال على مدى قرون حتى في المناطق الريفية من اليمن الشمالي، فحسب تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014، وهذا ما أكده نعمان الحذيفي رئيس “الاتحاد الوطني للمهمشين” أن المهمشين اضطروا للعمل في وسط نظام شبه إقطاعي لصالح جماعات اجتماعية متنوعة دون الحق بشراء الأراضي، فيتم تهجيرهم إلى الأراضي التي تقع في أطراف المدن بالقرب من المستنقعات، وفي الخطوط الأمامية لمناطق الحرب فتبنى غرفة واحدة من القماش والكراتين والصفائح الحديدية يسكنها حوالي 5 إلى 10 أفراد وتفتقر هذه المناطق لأبسط الخدمات الصحية وخدمات الصرف الصحي، كما يتعرض أفراد هذه الفئة إلى الأمراض المستعصية والأوبئة الفتاكة التي تؤثر على بنيتهم الجسدية، وخاصة في هذه الفترة التي تنتشر فيه أوبئة كالكورونا والكوليرا، وتتعرض نساء وأطفال الفئة المهمشة بشكل مستمر إلى الاعتداءات بأنواعها، وخاصة في المناطق القريبة من نقاط التفتيش، حسب التقرير الصادر من منظمة “Equal Rights Trust” في يناير 2018.
آخر تلك القضايا التي انتشرت هي قضية الطفلة رسائل ذات ال 17 عام، التي تعرضت للاختطاف والاغتصاب على يد 4 رجال في 27/3/2020، ورغم وجود تقرير طبي واضح وشهود عيان، إلا أن النيابة العامة قامت بسجن الطفلة ولم يتم إخراجها إلا بضمانة تجارية، بينما تم إطلاق صراح المتهمين وتهريبهم، وبرر أحد ذوي العلاقة بالقضية السبب “يا رجال هي إلا خادمة!”، فيتم تجريدها من حقوقها وتبرير الظلم الواقع عليها ومعاملتها معاملة بهيمية لمجرد أنها من الفئة المهمشة فقط.
الخاتمة:
وخلاصة لما تقدم فان السبب لانعزال المهمشين ليس لانهم يريدون ذلك وإنما السبب هو وجود عادات وتقاليد ومعتقدات راسخة في المجتمع، ويتم نشرها ونقلها للأجيال القادمة، حتى لا يكون هناك أي حقوق أو رأي لهذه الفئة، و قد يكون ذلك للتغطية على فشل مؤسسي إداري حكومي وغياب الجهد الحكومي في تطوير ودمج هذه الفئة المهمة في المجتمع مما يسبب انعزال وتهميش رئيسي للفئات المهمشة، ما يوثر على الإنتاج المحلي ويعمل على زيادة البطالة والعنف والتحسس من وجود هذه الفئة في المجتمع وعدم الاستفادة من قدراتهم وإبراز ما يمتلكون
المصادر:
1_ موقع https://mohammshen-yem.info/
2_ موقع https://www.equalrightstrust.org/