العصرنة ..طعنة في خاصرة التراث اليمني
مها القدسي
«من لا ماضٍ له ، فلا حاضر له «
التراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت واقدر على مواجهة تقلبات الزمان .
والتراث يُعتبر العمود الفقري بوصفه خلاصة تجارب الحياة البشرية والممارسات في مختلف المجالات في العمارة، الفنون الشعبية ، الزراعة ، الصناعة ، الأزياء ،القيم ،العادات والتقاليد ، الأعراف ، العلاقات والرموز وكلما يتصل بحياة الناس بوصفهم أعضاء في هذا المجتمع. ومن هذا المنطلق فإنه ومن المؤكد أن العصرنة تعمل على اندثار وطمس تراثنا وثقافتنا ،فالعصرنة يومًا بعد يوم تقوم ببتر أجزاء من هذا التراث.
احتضار العمارة اليمنية
تراث العمارة اليمنية يعود لآلاف السنين تخضبت عماراته بالزخرفات كما توجت بالخرافات والأساطير لعناصره المنمنمة التي أضافت ملامح مميزة ومتنوعة للعمارة في اليمن.
ومع ذلك أدت العصرنة إلى تشوية الطابع الجمالي المميز ،لاسيما مدينة زبيد الاستثنائية التي أُطلق عليها الغرب « أكسفورد الشرق» ، أدت ظروف البيئة الى اندثار معالم هذه المدينة من جهة كالسيول والأمطار والاستيلاء على الميادين العامة والشوارع وبروز مبانٍ إسمنتية وارتفاع على القدر المسموح به واحتواء البعض الأخر على شرفات، هذه من جهة أخرى وهذا ما جعل المدينة تفقد نسقها العمراني التاريخي مما جعل «اليونسكو» تضعها في قائمة المواقع الأثرية المعرضة للخطر منذ العام 2000م.
اندثار الجانب الثقافي والفني
لا يمكن إغفال ثقافات العالم بين الشرق الأقصى والأدنى والأوسط والغرب ومع ذلك نجد أن مؤيدي تطبيق العصرنة يتحدثون بكل جرأة عن ضرورة مواكبة العصر ثقافيًا عبر تبني مفاهيم وعادات ثقافية وفنية غريبة خالصة ، فلا يبدوا منطقيًا أن تقليد الغرب هو ما يجب فعله. كتغير الأزياء التراثية مثلًا ان نحول شكل الستارة «الصنعانية والرداعية « الى أشكال مختلفة من العبايات والفساتين كما هو حاصل حاليًا ، أيضًا الحلي والفضة والملابس التقليدية التي يومًا بعد يوم نلاحظ أنها لا تشبه تراثنا.
كما ان الأغاني التراثية القديمة حازت على الجزء الأكبر من العصرنة ففي تقرير «لقناة الجزيرة « صدر في يونيو 2013 بعنوان « أغاني التراث اليمني مهددة بالضياع» تم تحديث هذه الأغاني بإضافة ألحان غريبة وموسيقى نزعت منها جمالها وأصالتها ، وكما انها فتحت مجالًا لسرقة هذه الأغاني ونسبتها لغير أصحابها .
كملخص عام لما ورد في هذا المقال يجب علينا التمسك بتراثنا وثقافتنا والمحافظة عليهما أمر هام جدًا ، لإن لها أهمية كبيرة جدًا في الماضي والحاضر والمستقبل، مما يجعل الأشخاص والدول حريصين على اقتنائها لأنها ميزات وقيم تاريخية .
فكل قطعة آثار يمتد عمرها الى آلاف السنين وكلما كان الشيء قديم كلما كانت القيمة المادية والمعنوية والانسانية الحضارية أكبر ، ولأن الحضارة اليمنية هي الأقدم والأشهر مما يجعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز دائمًا والفخر بكل ما هو متعلق بحضارتنا والارتباط بتراثنا وماضي أجدادنا .
لذلك ندعو وزارة الثقافة للتدوين والتسجيل موروثنا الغنائي الكبير والجميل موسيقيًا والحانًا وكلمات من الضياع والسرقة وانتسابها الى غير اليمن، فيجب علينا نشر الوعي الكافي عن أهمية التراث والثقافة وأهمية الحفاظ عليها في المدارس وفي الجامعات والإعلام والاستعانة بأهم المدلولات التراثية لنزرعها بداخل أبنائنا وذواتنا، ولابد من الاهتمام بإقامة المعارض وإقامة الندوات، حيث أكدت رئيس « بيت التراث الصنعاني « دعاء الواسعي بأن إقامة المعارض والندوات تهدف الى دعم وتشجيع المنتجات المحلية والأزياء والتراث الشعبي والحفاظ على كل ما هو قديم من الاندثار ، مما يعكس ويعظم الموروث الثقافي للشعوب .
المصادر:
-ملف: الأنشطة التي يدعمها صندوق التراث في حالات الطوارئ في اليمن.
– مقالة: اضطراب ملامح العمارة الحديثة في اليمن – منصة خيوط.
-مقالة: «اغاني التراث اليمني مهددة بالضياع» – موقع الجزيرة.
– دعاء الواسعي -رئيس بيت التراث الصنعاني.