التراث…بين عصرنته وموته السريري

علاء الحمادي

يعد هذه المقالة ضمن مشروع “المناظرات المكتوبة” التي تقيمها “مؤسسة بيسمنت الثقافية”، حول موضوع « العصرنة تهدد تراث وثقافة المجتمع اليمني « حيث امثل الفريق المعارض للاطروحة وستجدون هنا مجموعة من الحجج التي تدعم موقفنا.

يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري: «إن المطلوب هو حداثة تحيي العقل ولاتميت القلب، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث» والتحديث أو التطوير هو إخراج كل ما هو قديم بقالب جديد يتلاءم مع روح العصر دون الإخلال بجوهره.

فنحن نقف على كمِ هائل من التراث وهذا الكم الهائل بحاجة إلى إعادة إنتاج وقراءة جديدة تمكننا من الانطلاقة نحو المستقبل، بل وتجعلنا نُعرف به المجتمعات الأخرى، وللأسف تراثنا وثقافتنا تتعرض لإندثار متواصل، ولم يتبقَ منه سوى ماتبقى في ذاكرتنا وبعض ما نستخدمه والكارثة الكبرى حينما ننسى أغلب تراثنا وهويتنا حتى لانكاد نتعرف عليه، والسبب في ذلك هو رفضنا لمحاولة عصرنته وتقديمه بطريقة جديدة تواكب العصر.

العصرنة من وجهة نظرنا لا تعني بالضرورة قص جذور إنتماء للتراث أو هدم الماضي وإلغائه، بل على العكس تماماً فهي تساعد في بناء الحاضر وإعادة إحياء الماضي بما يناسب تطورات العصر الحديث، فنحن الآن بحاجة للبحث عما يناسب، ويلائم، ويجدد الماضي، ويرتقي بالحاضر، ويفتح الأفق على المستقبل.

قبل أشهر مضت قامت مؤسسة «بيسمنت» بتنظيم مشروع «مجداف» والذي كان يهدف إلى عصرنة التراث اليمني من خلال الفن وأنتج المشروع أعمالًا فنية لـ30 فنانًا يمنيًّا، تختلف في طرق عرضها مابين النحت والرسم والعزف، إذ اجتمعت في عصرنة التراث من خلال إبرازه بطُرق رائعة، ومنتجات فنية خرجت عن المألوف. ولاقى المشروع ردوداً إيجابية كثيرة من قبل أوساط المجتمع، ويوضح مدى اهتمام الجمهور اليمني بهذه الأعمال، والتعرف على تنوعها وتميزها، وبث روح العصر فيها، ومسح غبار الزمن المتراكم عليها. فعلى سبيل المثال في مجال الفن يوجد بعض الشباب الذين قاموا بتجديد الفن التراثي القديم بأصوات شبابية جميلة، وإدخال بعض الآلات الموسيقية فيه لم تكن قد استخدمت مثل: أغنية «ممشوق القوام، وخطر غصن القنا» التي شارك في اعادة عزفها ستة موسيقيين بأسلوب الروك والفلامنكو.

كأشخاص عاشوا في القرن الحادي والعشرين، تختلف الذائق عن أشخاص عاشوا في السبعينات. نحن بحاجة أيضاً إلى إعادة قراءة التراث المكتوب بصورة جديدة -سواء كان تراث أدبي أو فلسفي- ليتمكن المجتمع من الإنطلاقة، ليعيد بناء ذاته ومستقبله.ولكي لا نعارض فكرة العصرنة علينا التفريق أولاً بينها وبين والإلغاء والهدم. ولنا أن نضرب مثالاً بسيطاً على ذلك: مدينة صنعاء القديمة لا يسمح أحد بأن يتم استحداث مباني جديدة من الخراسات والإسمنت لكن بالمقابل الجميع يشجع على ترميمها والمحافظة عليها وعلى نظافتها وتطويرها وإيجاد وسائل نقل داخلية خاصة بصنعاء القديمة ولايسمح للسيارات بالدخول إليها، وتزويدها بالخدمات العصرية مثل الانترنت والكهرباء ومشروع المياة، ومنظومة ري حديثة لحدائقها (المقشامة) وتجهيز مواقف للسيارات خارج أسواقها، وتزويدها باللوحات التعريفية والخرائط السياحية، ومكاتب خدمات…إلخ.

العصرنة تُفرض علينا أن نجد في صنعاء القديمة خدمات بما يناسب متطلبات العصر مع الإحتفاظ بالطابع القديم وإدخال ما يناسب عليه من روح العصر. فإذا جعلنا صنعاء القديمة بوضعها القديم دون الحفاظ عليها وجعلناها عرضة للإهمال مثل ما يحدث الآن ففي منتصف العام الماضي حين تعرضت منازل مدينة صنعاء القديمة المسجلة ضمن التراث العالمي للانهيار بسبب تساقط الأمطار الغزيرة.

حيث أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، إن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي بدأت في جميع أنحاء اليمن ألحقت أضراراً بالطرق والجسور وشبكة الكهرباء وإمدادات المياه وقطعت فرص الحصول على الخدمات الأساسية لآلاف الأشخاص

وتضررت نحو 21،240 عائلة (148,680 شخصا) من الفيضانات في 13 محافظة ونزوح أكثر من 300 ألف شخص بسبب الفيضانات، في هذه الحالة ليست المسألة عصرنة أو حداثة وإنما إهمال تدمرت فيه ثقافتنا وهويتنا وتراثنا ولم يبقَ منه سوى أرقام وإحصائيات على شاشاتنا

يجب علينا عصرنة تراثنا، بل حياتنا عن وعي وإدراك وإلا سوف يصبح الخوف من العصرنة معول هدم وطمس لهويتنا الثقافية والتراثية بحجة المحافظة عليها.

المصادر :

– مقال: اليمن: نزوح أكثر من 300 ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب السيول والفيضانات- موقع أخبار الأمم المتحدة.

– مقال: مشروع ثقافي لعصرنة التراث اليمني- منصة خيوط ل أروى عبدالكريم.

– صور انهيار منازل أثرية في صنعاء القديمة بسبب الأمطار – موقع العربية نت